[font=Georgia]
تفننت الأنظمة السلطوية العربية وطيلة العقود الماضية بتشكيل وإستحداث الأجهزة الأمنية الخاصة وفق أحدث التقنيات الإستخبارية بالغة الدقة ، وهذه الأجهزة بالطبع لا علاقة لها بالحفاظ على أمن وسلامة الشعب ولا سيادة الوطن ، بل ان غايتها تقتصر فقط بالحفاظ على بقاء الحاكم العربي على رأس السلطة مهما كلف هذا من مبالغ مادية تستقطع من ميزانية الدولة ومن لقمة شعوبها الجائعة أصلا ، حتى وصلت الأرقام المرصودة للأمن الشخصي للحاكم العربي وفي جميع بلداننا العربية وبلا إستثناء الى مليارات الدولارات صرفت على شراء الأسلحة وتعيين أفراد منتقين ( لا يضر ان كانوا من أبناء جلدتهم ام أجانب ترشحهم الدول الحليفة لهم ) وإيفادهم الى أمريكا والغرب في دورات خاصة لتعليمهم وتدريبهم على فنون البطش بشعوبهم في وقت بقيت فيه أوطناهم مرتعا للتخلف والفساد والحرمان .
الأرقام كبيرة جدا بل ومذهلة على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية توثق هذا فالميزانية المخصصة لهذا المجال تأخذ الأولوية وهي خارج الموازنة بل إنها ذات طابع سري لا يعلم بها إلاّ الحاكم وحده وعدد محدود من المقربين منه ، ويكفي هنا ان نورد على سبيل المثال لا الحصر ما نشره موقع ( العرب نيوز) عن أن أحد الرؤساء العرب طلب من سويسرا ، بعد بدء الثورة في بلاده أن تمده بالآلاف من بنادق القنص المتطورة والفائقة الدقة والمجهزة بتلسكوبات مقربة وأجهزة تصويب تعمل بأشعة الليزر قادرة على قتل أي إنسان في مدى ألف متر، وتصيبه بجروح خطيرة في مدى أربعة آلاف متر، ولا تستغربوا من إن ثمن البندقية الواحدة هذه يزيد على الأربعة آلاف دولار . !!
هذا فضلا عن إننا سنصدم فعلا لو أضفنا الى هذه الأرقام ماهو مصروف على السجون العامة والسجون السرية المليئة بسجناء الرأي ، وبلا شك فإن الأخيرة هي الأثيرة عندهم فهم يبنونها في دهاليز قصورهم ليتلذذوا بمشاهدة تعذيب وإهانة أبناء شعبهم أمامهم كلما شاؤوا أو ضجروا من رتابة الحياة في قصورهم التي لا يغادرونها إلاّ في مناسبات خاصة ، خصوصا ان حكامنا لا يفقهون إلاّ الإطلاع على ماهو جديد لملذاتهم كبناء القصور والمنتجعات والتماثيل والصور الشخصية التي تملأ الشوارع والساحات التي تحمل اسماءهم ، وكل ما يستجد من موديلات الملابس وماركات السيارات الفارهة .
الميزانية المخصصة للحاكم العربي وأفراد حمايته والمقتطعة من لقمة أبناء شعبه كبيرة جدا ، فالمنظور منها كبير ، وما لم ينظر أكبر بكثير ، كما وان الصلاحية الممنوحة للحاكم والمقررة رسميا له هي الأخرى تأكل من موارد البلاد والعباد الكثير ولا يحق لأحد أن يعرف أين ومتى وكيف يصرفها الحاكم ، فهي لا تبتعد كثيرا عن متناول يديه ، أما في حسابه الخاص وأما في خزانته الشخصية القريبة منه ، بإعتبار أن حكامنا لا يضعون أموالهم في جيوبهم لكثرتها ، وإلاّ لإنتفخت كـ ( بطونهم ) .
ويكفي لندرك أكثر ما نقله الحكام المهزومون من أموال بعد أن أطاحت بهم شعوبهم ، وما أعلنته الدول الغربية وامريكا عن المبالغ المودعة في بنوكها ومصارفها والعائدة لهذا الحاكم المخلوع وذاك .
وفي المقابل فلا يفوت حكامنا مناسبة أو بدونها إلاّ ويوصون مواطنيهم بالنزاهة والحرص والسهر والصبر وشد الأحزمة على البطون والحفاظ على المال العام والعمل على زيادة الإنتاج ويعدونا بالنصر ، النصر الذي لم نذق طعمه قط ، بل إننا لا نعرف أي نصر يقصدون ، لأننا لم نتلق منهم غير الخسائر والهزائم المريرة .
فالحاكم العربي ظل يعتقد دون أن يصحو إن الإبتعاد عن الديمقراطية والإرتكاز على أفراد الحمايات الخاصة والقوة وإتخام بطانته وقهر شعبه وإذلاله ، سيمنحه قدرا أكبر من البقاء في الحكم ، لذا كان الإنهيار السريع لأنظمتهم الكارتونية ، وهروب فيالق وكتائب وجيوش حماياتهم الورقية أمام إرادة شعوبهم وبهذه السرعة التي لا يصدقها أحد .
وغرابة الأمر وهذا ما أريد أن أصل اليه ، هي ان الدول التي ساهمت في بناء قوة الحاكم العربي بالأمس وحصّنت وصانت كرسيه ، هي ذاتها تساعد اليوم الشعوب العربية بالأسلحة وتمدهم بالمال للخلاص منه ، فيا ترى من خدع من .. الحكام أم الشعوب ؟؟
لا أدري ... ربما جميعنا مغفلون ، لأن مئات الآلاف الذين استشهدوا ومليارات الدولارات التي أحرقت بين المرحلتين الزمنيتين والتي إمتدت الى عقود طويلة ، مرحلة سطوة الحاكم وهزيمة الشعب (الماضية) ، ومرحلة سطوة الشعب وهزيمة الحاكم (الحالية) ، كفيلة ببناء البلاد وإشباع العباد وتحرير الأرض والعرض وحقن الدماء .. ولا ندري أيضا هل سيتمكن الغرب وأمريكا من إستغلال الثورات العربية ، واللعب على حبل جديد تشده إليها من جهة ومع إسرائيل من الجهة الأخرى ، وأية لعبة يعدّوها لنا غدا ، وكيف ستكون ، ومن سيكون الرابح فيها : الشعب أم الحاكم الجديد وهذا ما يجب الإنتباه اليه جيدا ؟ !