بدأت انتفاضة الشعب الليبي بحركة سلمية احتجاجية في شرق البلاد وبالتحديد في مدينة بنغازي ، وتحولت الى ثورة وانتفاضة مسلحة كبيرة على امتداد الوطن اشترك فيها طيف كبير من الشعب الليبي مدنيين وعسكريين ، والسبب في ذلك هو تعنت واصرار القذافي بعدم تلبية مطالب الجماهير الليبية التي بدأ احتجاجاتها بالدعوة لاصلاحات سياسية واقتصادية واجراء انتخابات
حرة ونزيهة ، بعد ان رزخ هذا الشعب لاكثر من اربعة عقود وتعرض لاغرب اساليب التفرد والهيمنة في القرار ونواع من الاساليب الدكتاتورية الغريبة الاطوار وخضع لابشع عملية غسل دماغ ، بحيث اصبحت قرارات وقوانين واساليب العمل السياسي والشخصي للعقيد القذافي مصدر تندر وسخرية وادانة من قبل العالم باسرة . وقد حشر القذافي نفسة ونظامة في سلسلة من الجرائم البشعة والتي تعتبر من ابشع عمليات الارهاب والقتل وعمليات التدخل في شؤون بلدان عديدة في بقاع طالت العالم باسرة . وتسبب في هدر واتلاف المليارات من اموال الشعب الليبي في تلك العمليات والمغامرات ، وما صاحبها بعد ذلك من دفع تعويضات هائلة بسبب تلك الاعمال الارهابية وعملية لوكربي في اسكتلندا عام 1988 والتي تم تفجير طائرة بانام الامريكية مثال حي على احدى هذة الجرائم .
تطورت الاوضاع واشتد عود الثوار ، وبدأت الولايات المتحدة والغرب بمجلس الامن والعرب بجامعتهم ودول الخليج بمجلسهم بدعم واسناد الثوار بالمال والسلاح والرجال والجهد الاعلامي ، واشتدت المعارك وتوسعت من شرق البلاد الى غربها بدعم وغطاء جوي وقصف مدمرلمرافق البلاد العسكرية والمدنية والاقتصادية كافة وما نتج عن ذلك من سقوط الالاف من الضحايا الابرياء ، كان سببة شخص القذافي واولادة الذين لن يتركوا بارقة امل امام طموح ورغبات الشعب الليبي في التحرر ونيل حرياتة والتمتع بخيراتة الوفيرة . هذا الدعم المتواصل للثوار والروح المعنوية العالية التي يمتلكونها مكنتهم من دخول العاصمة طرابلس بعملية عسكرية سريعة ومخطط لها بعناية . هرب القذافي وتوارى عن الانظار وانهار نظامة السياسي وتفرقت وتشتت كتائبة المزودة باحدث الاسلحة والمعدات العسكرية واصبحت مجاميع متفرقة تحارب بدون هدف او قيادة ... وما هي الا ايام ويهرب اعوان النظام وابناء القذافي الى خارج البلاد . وقد اثبت الواقع ان الانظمة الدكتاتورية الشمولية التي كانت تتظاهر بقوتها وبدعم جماهيرها لااساس لة من الصحة وما سقوطها السريع والتجارب التي مرت بها تونس ومصر واخرها ليبيا خير شاهد على هشاشة وضعف وبؤس هذة الانظمة التي هي نتاج وصنيعة النظام العربي الرسمي المشوة .
الشعب الليبي استطاع ان يهزم النظام بفيض من دمائة ابنائة ولقي عطف ومساندة اغلب دول العالم . ولكن المهمة الاكبر التي تنتظر الثوار ومجلسهم الانتقالي بعد هذا الانتصار الكبير هي التركة الكبيرة والثقيلة التي خلفها النظام السابق وتداعيات اكثر من اربعة عقود . وما تفرضة الاوضاع الجديدة من نظرة جديدة لواقع ليبيا اليوم وما تنتظرها من حياة سياسية اساسها الديمقراطية وحماية حقوق الانسان وتطبيق العدالة الاجتماعية في مجتمع يعترف بالتعدد الفكري والسياسي والتداول السلمي للسلطة . اذن مرحلة ما بعد سقوط القذافي تتطلب العمل على ان تضع قيادة الثوار في حساباتها اولى المهام التالية :
* ملئ الفراغ السياسي بعد انهيار القذافي ونظامة وذلك باختيار النخبة الحاكمة وطريقة
اختيارهم من كافة مكونات الشعب واختيار الخبراء والمفكرين واصحاب الشأن لوضع
القوانين ومسودة الدستور، والاطلاع على تجارب الشعوب في معالجة الاشكالات التي
التي قد تحدث في كتابة الدستور وتجربة العراق اولى بدراستها من قبل الخبراء في ليبيا
وان يكتب الدستور بطريقة لا يمكن فيها للحكم الفردي والدكتاتوري من الرجوع
باية طريقة كانت في المستقبل ، والاستعداد لاجراء انتخابات متى ما توفرت
الظروف المناسبة واستباب الامن والاستقرار والسلم الاهلي .
* العمل بكل جدية واخلاص على اقامة اسس حقيقية وواقعية لصيانة وحدة البلاد وتوحيد
الشعب الليبي بشرقة وغربة وازالة الحساسيات التي افرزتها المعارك وبناء الانسان الليبي
بعد تلك الفترة التي عمل القذافي لالغاء اسس وركائز دولة المؤسسات والعدالة
* اعادة الاعمار وبناء ما دمرتة الالة الحربية بوقت قياسي وهمة وطنية شبيهة بتلك الهمم التي
اسقطت النظام وعدم الاتنظار والاعتماد على ما يسمى بمشاريع المساعدات الدولية .
* المصالحة الوطنية الحقيقية بين فئات الشعب وعدم التشبث بخلفية النظام السابق والانجرار
وراء نظرية الانقياد الاعمى التي لاتفرق بين الانسان المجرم والانسان البرئ
* الاخذ بنظر الاعتبار الواقع السياسي والعسكري الجديد وما افرزة من واقع جديد
على الارض ، وبسبب العدد الكبير لفصائل وقوى المعارضة وما تملكة من تنوع في الرؤى
والنظرة لنوع الحكم والحياة السياسية وما ينتج عن ذلك في المستقبل من مشاكل وخلافات في مسألة استلام المناصب وتقاسمها نتيجة الاختلافات الفكرية
* تأمين مصالح الغرب الاقتصادية في ليبيا مع المحافظة على استقلال الدولة وهيبتها
فخيرات ليبيا الاقتصادية وما تمتلكة من كميات كبيرة من النفط وما تتميز بة من اهمية جغرافية وامتدادها الطويل على سواحل البحر الابيض المقابلة لاوربا تجعل لها ميزة كبيرة تجعل الغرب في تطلع ونظرة متأملة صوبها . فعملية التدخل لدعم الثوار لا يمكن ان تكون بدون ثمن يدفعة الليبيون ثمنا لتحررهم الذي اعتقد ويؤيدني الكثير انة بدون هذا الدعم لا يمكن الوصول الى هذة المرحلة المتقدمة من تحرير كامل التراب الليبي .
* هناك تخوف وقلق من قبل دول التحالف من بعض الفصائل باعتبارهم فوضويون وانهم
حلفاء مشكوك في امرهم ، وخاصة بعض الفصائل الاسلامية التي بدى واضحا مشاهدة اعداد كبيرة منهم في دخول العاصمة . كما وصفهم المحلل السياسي البريطاني ( باتريك كوبيرن ) في مقالة نشرتها (الاندبنتد) ويرى ان الثوار يحاولون تأجيل انقساماتهم الى ما بعد
تسلمهم السلطة والسيطرة الكاملة !! ويضرب مثلا في عملية اغتيال قائدهم العسكري اللواء عبد الفتاح يونس للاشباة بخيانتة . وقد حل رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل مجلسة التنفيذي على اساس ان بعض اعضاءة متواطئ في القتل .
مما تقدم يتضح ان متطلبات الوضع الجديد تلزم القيادة الجديدة بان تعمل جاهدة على احتواء كل الليبيين تحت مظلة واحدة ، ومواجهة الانفلات الامني الذي تتسم بة الثورات الشعبية بسبب سهولة الحصول على الاسلحة وتخزينها في المساكن وما تسببة من مشاكل كبيرة في المستقبل الليبي . كما يجب عليها اسقاط الورقة التي ارد القذافي اللعب بها لاثارة الحرب الاهلية بين قبائل ليبيا ، والعمل بجد ومعقولية لترطيب الاجواء المتأزمة بين القبائل بسبب الخسائر التي لحقت بالبعض وما تسبب من فقدان مناصب ومكاسب كانوا ينعمون بها من دولة القذافي لغرض استخدامها كورقة لمثل هذة الظروف الصعبة المعقدة . ففي بداية التسعينيات عمل القذافي على خلق مؤسسة جديدة اصبحت جزء من المشهد السياسي الذي يشرف علية وهي ما تسمى ( القيادات الشعبية الاجتماعية ) اذن البعد القبلي في البلاد لايمكن اغفالة في هذة المرحلة الدقيقة التي تمر فيها ليبيا .