عينيّ جودا ولا تجمدا
ألا تبكيان لصخر الندى؟
ألا تبكيان الجريء الجميل
ألا تبكيان الفتى السيدا؟
وقالت في رثاء معاوية:
لا أرى في الناس مثل معاوية
إذا طرقت إحدى الليالي بداهية
بداهية يصغي الكلاب حسيسها
وتخرج من سر النَّجي علانية
قالت في رثاء صخر وهي ترسم صورته وتحدد أوصافه:
ما بال عينيك من دمعها سرب
أراعها حزن أم عادها طرب
أم ذكر صخر بُعيْد النوم هيَّجها
فالدمع منها عليه الدهر ينسكب
يا لهف نفسي على صخر إذا ركبت
خيل لخيل تنادي ثم تضطرب
فقد كان حصنا شديد الركز ممتنعا
ليثا إذا نزل الفتيان أو ركبوا
أغر أزهر مثل البدر صورته
صاف عتيق فما في وجهه ندب
يا فارس الخيل إذ شُدت رحائلها
ومطعم الجوَّع الهلكى إذا سغبوا
سر المشيب
سألتها النساء عن سر تسلل المشيب إلى رأسها في هذه السن المبكرة فقالت:
تقول نساء شبت من غير كبرة
وأيسر مما قد لقيت يُشيبُ
لقد قصمت مني قناة صليبة
ويقصم عود النبع وهو صليبُ
والقناة هي الرمح، وعود النبع شجر صلب تصنع منه الأقواس والسهام.
وقالت وهي تصور حالها في الليل ،عندما ينام الجميع، وتسهر هي مع ذكرياتها الأليمة:
أرقت ونام عن سهري صحابي
كأن النار مشعلة ثيابي
وتقول عن موت أخيها، وكأنها تسجل حكمة الحياة، وان الموت نهاية كل حي:
يا صخر قد كنت بدرا يستضاء به
فقد ثوى يوم مت المجد والجود
فاليوم أمسيت لا يرجوك ذو أمل
كما هلكت وحوض الموت مورود.
وتقول في موقع آخر وهي تتمنى الرحمة لفقيدها الغالي وان يكون مثواه الجنة:
كأنما خلق الرحمن صورته
دينار عين يراه الناس مفقودا
اذهب بعيدا جزاك الله جنته
عنا وخلدت في الفردوس تخليدا
قد عشت فينا ولا ترمى بفاحشة
حتى توفاك رب الناس محمودا
قيم نبيلة
وتبدو الخنساء في بعض قصائدها كأنها تأثرت بلغة القرآن الكريم، وقيمه الإنسانية النبيلة:
ألا ما لعينك أم مالها
لقد أخضل الدمع سربالها
فإن تصبر النفس تلق السرور
وان تجزع النفس أشقى لها.
وتقول في قصيدة أخرى:
فخر الشوامخ من قتله
وزلزلت الأرض زلزالها
وتسجل حكمة الأيام، وسنتها في الحياة والموت، وقدرة الله سبحانه وتعالى وهي تقول:
كل امرئ بأثافي الدهر مرجوم
وكل بيت طويل السمك مهدوم
لا سوقة منهم يبقى ولا ملك
ممن تملكه الأحرار والروم
إن الحوادث لا يبقى لنائبها
إلا الإله ورأس الأصل معلوم
وتضيف في موقع آخر:
أرى الدهر يرمي ما تطيش سهامه
وليس لمن قد غاله الدهر مرجع
ظلت الخنساء تبكي صخرا ومعاوية، حيث تصور حاجة المرأة إلى أهلها وذويها طوال حياتها.
بكت عيني وحق لها العويل
وهاض جناحي الحدث الجليل
معاوية بن عمرو كان ركني
وصخرا كان ظلهم الظليل
وكانت وفاة الخنساء في أول خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه (سنة 24 هجرية - 646 ميلادية)._