لماذا نكذب؟
لكي يكذب الإنسان يحتاج لقدرات ذهنية (تفكير جيد وذاكرة قوية ومنطقم تطور وخيال واسع وتبريرات جاهزة)، وقدرات نفسية وانفعالية، مثلا لتحكم بمشاعره وتعابير وجهه وتصرفاته وتكييفها حسب الوضع الذي يخلقه عندما يكذب، وهذه القدرات اللازمة للكذب يجب أن ترافقها استعداد الشخص أخلاقياً وتربوياً للكذب. وبشكل عام الضعيف والذي قدراته محدودة يكون لديه دوافع أكثر للكذب، بعكس القوي والذي يملك الكثير من القدرات تكون دوافعه للكذب أقل، وهذا ليس صحيح دوماً. والكذب صفة لدى غالبية الأطفال، وإن كانت طبيعية في صغار السن نتيجة الغموض القائم في ذهنه وعدم التمييز بين الحقيقة والخيال. وفي كيفية تطور الكذب عند الطفل يقول الخبراء: في عمر الثلاث أو أربع سنوات، يكتشف الولد أن هناك خياراً جديداً في الحياة، وهو أنه يستطيع أن لا يقول كل شيء! بعدها يكتشف أنه بإمكانه أن يقول أشياء غير موجودة (مثل اختراع القصة). إن الانتقال من الاكتشاف الأول إلى الاكتشاف الثاني مرتبط بشكل وثيق جداً بتطور النطق، فالكذب عند الطفل هو تأكيد له أن عالمه الخياليالداخلي يبقى له هو وملكه الشخصي، من هنا تأتي رغبته بأن لا يقول كل شيءوأن يخفي بعض الأشياء عن الآخرين، وبما أن الطفل في هذه المرحلة، لا يملك القدرة الذهنية لتمييز العالم الحقيقي من العالم الخيالي، آخذين بعين الاعتبار النمط السريع لتطور النطق المرافق لهذه المرحلة، نفهم لماذا يستمتع الطفل باختراع وتأليف القصص أمام الآخرين. لكن في عمر الست والسبع سنوات، يبدأ الولد بالتمييز بوضوح بين الصح والخطأ في محيطه ،وهذا أمر طبيعي في مجرى التطور الأخلاقي عند الإنسان، ففي مثل هذا العمر تترسخ الأخلاق والقيم الاجتماعية الصالحة بشكل وطيد، وهكذا يتعلم الطفلمن ناحية أن قول الحقيقة شيء مرغوب فيه اجتماعياً، ومن ناحية أخرى يتعلمأن الكذب قد يساعده في الدفاع عن نفسه في ظروف معينة. والطفل يتعلم الصدق من المحيطين به إذا كانوا يراعون الصدق في أقوالهم وأعمالهم ووعودهم، والطفل الذي يعيش في بيت يكثر فيه الكذب لا شك أنه يتعلمه بسهولة ،خصوصاً إذا كان يتمتع بالقدرة الكلامية واللباقة وخصوبة الخيال ؛ لأن الطفل يقلد من حوله، فيتعود منذ طفولته علي الكذب. والكذب سلوك مكتسب، وليس سلوكًا موروثاً، وهو عند الأطفال أنواع مختلفة تختلف باختلاف الأسباب الدافعة إليه.[b][center]