مساهمات كردية في الحضارة الانسانية
بعض من مساهمات الشعب الكوردي في الحضارة الانسانية
في البداية لا بد من الإشارة إلى أن الشعوب القديمة عموما، كانت تسمى بأسماء المواقع الجغرافية التي تشغلها، وكانت التسميات التي تطلق على سكان منطقة ما تصدر عن أقوام غير أقوام المنطقة الأصليين، لذلك لم تكن هذه التسميات متطابقة تماما مع اسمهم الأصلي أو اسم المنطقة التي جاءوا منها.
وينطبق هذا الأمر على الشعب الكردي أيضا، فقد أُطلق اسم الكرد أول الأمر على منطقة جغرافية محددة، ثم أصبح لقبا لسكان تلك المنطقة، وقد وردت برسوم مختلفة، وحسب لفظ أو كتابة الشعوب المختلفة لتلك التسمية: فقد كان الكرد لدى السومريين معروفين باسم " كوتي – جوتي – جودي " ، ولدى الآشوريين والآراميين " كوتي – كورتي – كارتي – كاردو – كارداكا – كاردان – كارداك – كاركتان " ولدى الفرس " كورتيوي – سيرتي – كورد راها " ولدى اليونان والرومان " كاردوسي – كاردخوي – كاردوك – كردوكي – كردوخي – كاردويكاي " ولدى الأرمن " كورجيخ – كورتيخ – كرخي – كورخي " ، ولدى العرب " كردي – كاردوي – باكاردا – باقاردا – كارتاويه – جوردي – جودي ".
وأقرب التعاريف إلى الدقة والموضوعية للشعب الكردي هو رأي المؤرخ الكردي محمد أمين زكي الذي استند بدوره على آراء مجموعة من الباحثين أمثال مينورسكي، سيدني سميث، سبايزر، وإلى الإشارات المتفرقة في تواريخ وآثار شعوب المنطقة فيقول:
(إن الشعب الكردي يتألف من طبقتين من الشعوب، الطبقة الأولى التي كانت تقطن كردستان منذ فجر التاريخ " ويسميها محمد أمين زكي " شعوب جبال زاغروس " وهي شعوب " لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري، نايري " وهي الأصل القديم جدا للشعب الكردي.
والطبقة الثانية: هي طبقة الشعوب الهندو – أوربية التي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كردستان مع شعوبها الأصلية وهم " ميد، ماد، كاردوخي " ، وامتزجت مع شعوبها الأصلية ليشكلا معا الأمة الكردية).
تعريف الحضارة: الحضارة هي نتاج الفكر في مختلف ميادينه، سواء أكان مجردا أم ملموسا، وقد ارتبط ظهورها بمعرفة الإنسان للزراعة وعمله بها.
ومن هنا جاءت تسميتها نسبة إلى الحاضرة: (وهي أي مكان تقيم به مجموعة من السكان). وبهذا تختلف عن البداوة والبادية. وكلمة حضارة التي نستعملها في " تاريخ الحضارة " نقصد بها كل ما ينشأ عن تفاعل الإنسان والبيئة التي يعيش فيها، أي كل ما يتعلق بحياة الشعوب من نظم اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية وفنية، وهي في هذا المعنى تشمل دراسة جميع نواحي الحياة البشرية وتطورها.
والحضارة ليست من صنع الفرد الواحد، إنما يصنعها المجتمع البشري، أو بالأحرى المجتمعات المدنية، لأن اجتماع البشر وتضافر جهودهم وتراكم إنتاجهم ومخلفاتهم وتفاعلهم مع البيئة، أساس لنشوء الحضارة وتطورها.
فعمر الفرد محدود، بينما عمر المجتمع والحضارة طويل، وهما دائمان ويتطوران باستمرار، وهذا التطور ليس عملية نمو وتقدم مستمر ومتصل، بل إن الحضارة قد تقوم في مناطق معينة، وفي فترات معينة لا تلبث أن تنهار إما مؤقتا لتظهر من جديد بعد حين، أو تتلاشى نهائيا، أو لترث قيمها الحضارية الإبداعية حضارة أخرى، أو تبدل فيها وتطورها.
هكذا تكون الحضارات الإنسانية في تغير دائم ومستمر، ولا شيء يدل على توقفها أو جمودها، فهي تسير بخطوات متتابعة، قد تكون وئيدة أحيانا، ولكنها سائرة على كل حال. وبذلك تكون الحضارة صورة الحياة البشرية المرسومة على لوحة الزمن، وهي لا تقتصر على شعب أو عرق معين، وإنما لكل شعب حضارته الخاصة، التي قد تختلف أو تتشابه ببعض ألوانها مع حضارات الشعوب الأخرى، وتختلف بدرجة رقيها وتطورها، تؤثر وتتأثر ببقية الحضارات لتساهم في بناء وتطوير الحضارة الإنسانية.
أما مظاهر الحضارة فهي: المظهر السياسي والإداري – المظهر الاقتصادي – المظهر الاجتماعي – المظهر الديني – المظهر الفكري – المظهر الفني… ولها كذلك شروط داخلية كالمناخ المعتدل والتربة الخصبة وتوفر المياه والموقع الجغرافي، وهناك بعض الشروط الخارجية التي قد تكون سلمية عن طريق الاقتصاد من خلال التجارة والهجرة والاختلاط أو حربية عن طريق الغزو والفتح والحكم الأجنبي، وتكون نتائجها إما سلبية كغزوات التتر والهون، وأحيانا إيجابية كالغزو الأوروبي لبعض المناطق. جوانب من بعض مساهمات الكرد في الحضارة في عصور ما قبل التاريخ شهدت كردستان كغيرها من عدة مناطق في العالم " جنوب بلاد الرافدين، وادي النيل، جنوب الهند، الصين " ظهور الإنسان البدائي الذي يعود ظهوره إلى حوالي مليون عام ق.م. وقد ساعد على ذلك طبيعة كردستان الجبلية والهضاب والسهول المنتشرة فيها إلى جانب خصوبة التربة ووفرة مصادر المياه من أنهار وينابيع وأمطار والمناخ الملائم وكثرة النباتات والأعشاب والأشجار البرية، وقد مرت هذه الفترة بثلاثة أطوار: أ – في مرحلة جمع والتقاط القوت: تدل المكتشفات الأثرية في كهف شانيدر " ١٣ كم غرب السليمانية " على أن إنسان العصر الحجري القديم قد عاش في كردستان " إنسان نياندرتال " وقد اكتشفت في الكهف الفؤوس الحجرية والمقاشط الحجري، وجلود بعض الحيوانات التي توحي بأن إنسان نياندرتال كان يرتديها.
ب – مرحلة الصيد من حوالي ١٠٠٠٠ – ٤٥٠٠ ق.م.: في هذه المرحلة ازداد عدد السكان في كردستان، تدل على ذلك كثرة الكهوف الموجودة في كردستان التي تعود إلى هذه الفترة، وتم فيها اكتشاف النار والاعتماد على الصيد في تأمين الغذاء والسكن في الكهوف، واكتشف في بعض كهوف كردستان بعض الفؤوس والأدوات الحجرية الأكثر تشذيبا وبعض النصال وعرف تدجين بعض الحيوانات كالكلاب والثيران والماعز. ج – مرحلة الزراعة والاستقرار من عام ٤٥٠٠ – ٣٢٠٠ ق.م.: في هذه الفترة التاريخية تغيرت الظروف المناخية، وانقرضت بعض أنواع الحيوانات الضخمة، وتناقصت أعداد الحيوانات فظهرت الحاجة إلى الاعتماد على مصدر ثابت للرزق فتم الانتقال إلى مرحلة الاستقرار والزراعة، والتي تعرف بالمرحلة الحضارية.
وفي هذه المرحلة ظهرت المستوطنات الزراعية بكثرة في كردستان، وهي قرى مبنية من الطين والحجارة والأخشاب، أساسها من الحجارة وجدرانها من اللبن وسقفها من الخشب وبعضها من القصب والخشب، وهي مطلية بالطين من الداخل والخارج، وتتألف البيوت من غرف متداخلة لها طاقات للتهوية ومواقد للتدفئة، واحتوت بعض المستوطنات معابد دينية ضخمة ولبعضها أسوار حجرية محاطة بالخنادق وهناك أكثر من " ٥٠ " موقع أثري يعود إلى هذه الفترة، وأقدم مستوطنة بشرية اكتشفت حتى الآن هي مستوطنة " نيفالي تشوري " في وادي الفرات، " وفيها اكتشف تمثال لأقدم إله. واكتشف في بعضها أدوات منزلية تدل على رقي حضاري بالنسبة لتلك الفترة كالملاعق العظمية والإبر، وأقراص المغازل الصوفية التي تدل على معرفتهم طريقة صنع الألبسة، والمناجل ذات المقابض العظمية، والمحراث المبذار، وأحجار الرحى والمساحق والمدقات لدق وطحن الحبوب.
أما أهم المحاصيل التي زرعها الكرد في هذه المرحلة أو التي عرفها الكرد فهي: القمح الأحادي والثنائي والقزمي، والشعير والحمص والعدس والكرسنة والكتان، وتم استنباط القمح الطري إلى جانب تدجين الأغنام والماعز والثيران والخنزير البري والحمير. إضافة إلى تدجين الكلاب التي دجنت في مراحل سابقة.
واكتشف النحاس وتم استخدام صفائحه في الأدوات العامة كالأسلاك والإبر والمخارز وأدوات الزينة إلى جانب صناعة الفخار العادي والملون والأختام الاسطوانية التي انتشرت بكثرة في كردستان. وباختراع الكتابة حوالي عام ٣٢٠٠ ق.م. وتدوين التاريخ البشري، تعرفنا على أسماء الشعوب التي استوطنت كردستان منذ فجر التاريخ " شعوب جبال زاغروس " والتي لعبت مع الشعب الميدي دورا متميزا في إغناء حضارة منطقة غرب آسيا.
فقد أسست هذه الشعوب دولا عرفت باسمها، كدولة لولو في منطقة السليمانية حاليا، ودولة كوتي، كورتي في منطقة كركوك والزاب الصغير، والدولة الكاشية التي سيطرت على معظم كردستان ووحدت بلاد سومر وأكاد وعرفت بدولة كاردونياش وحكمت بلاد الرافدين زهاء أربع قرون من عام ١٥٩٥ – ١١٦٢ ق.م. والدولة الحورية " الهورية " التي امتدت من جبال زاغروس حتى نهر الخابور، والدولة الميتانية التي نشأت أول الأمر في شمالي الجزيرة وامتدت من بحر قزوين حتى جنوب فلسطين، عاصمتها واشوكاني – رأس العين – وكانت إحدى أكبر دول العالم في تلك الفترة إلى جانب الدولة المصرية، كاردونياش، والدولة الحثية.
أما الامبراطورية الميدية وعاصمتها أكباتان فقد سيطرت على معظم كردستان وإيران حتى قرب أنقرة حاليا، وقد حكمت بعض الأسر الكردية بلاد سومر وأكاد والمملكة الآشورية لفترات مختلفة من الزمن.
وكان لهذه الدول تأثير حضاري على الشعوب المجاورة لهم كالعيلاميين والأرمن وشعوب بلاد الرافدين. فقد نقل الملك الآشوري (آشور ناصر بال) قسما كبيرا من شعب لولو الذي كان على جانب عظيم من إتقان الصناعات والفنون إلى المدن الآشورية، لتقوية روح الفنون والصناعات ونشر المدنية في المدن الآشورية، وسيطر شعب سوبارتو على التجارة البرية بين شرق إيران وآسيا الصغرى وسوريا، وتدل الوثائق التاريخية أنه كانت لهم شركات تجارية خاصة للتجارة بالنحاس والقصدير والأقمشة والجلود والزيوت.
أما الشعب الكاشي أو كاردونياش، فقد كان تأثيره واضحا على معظم بلاد الرافدين من خلال تطوير نظام الزراعة واستخدام محراث حديث ومتطور لحراثة الأرض وبذر البذار في آن واحد، وهم أول من أدخل الخيول والعربات إلى بلاد بابل وبذلك دخلت عادة ركوب الخيل إلى بلاد بابل وسهولها، ومن ثم استخدامها في الحروب والمعارك، كما أنهم اخترعوا التقويم المتسلسل زمنيا حسب سنوات حكم الملوك، بدلا من التأريخ حسب السنوات الهامة أو الكوارث، وقد استمرت هذه الطريقة حتى دمار بابل، كما استخدموا لأول مرة الحجارة لتحديد حدود الأراضي الزراعية وحدود دولتهم وأصبح ذلك تقليدا فيما بعد واستخدموا المقاييس الدقيقة لقياس مساحات الأراضي والأوزان والأطوال والأحجام، وقد ساهموا في تطوير وبناء المعابد الضخمة والزقورات الفلكية التي يصل ارتفاعها أحيانا إلى ٦٠ مترا.
ويعتبر معظم المؤرخين أن الهوريين والميتانيين شعب واحد، وكان لهذا الشعب بصمات واضحة أولا في نقل حضارة جنوب بلاد الرافدين إلى سوريا وفلسطين، ومن ثم التأثير على معظم الأقوام في آسيا الصغرى وسورية وفلسطين، من خلال فن صنع الأختام وبناء البيوت، فقد كانت منازلهم مزودة بالحمامات والمرافق الصحية وبمخازن مختلفة لتخزين القوت، وهم أول من أدخلوا الخيول والعربات ذات العجلتين إلى مصر، وتدل كثرة المدارس المكتشفة في شمال سورية التي تعود إلى عهدهم إلى اهتمامهم بالتعليم، وقد وجدت قواميس هورية – سومرية وهورية – أكادية لتسهيل الكتابة والقراءة وكانت لهم علاقات طيبة مع مصر ازدادت صلابة بزواج الفرعون آمينوفس الثالث من الأميرة تادوخيا ابنة الملك الميتاني " توشراتا " والتي تزوجت بعد وفانه من الفرعون أمينوفس الرابع " أمنحوتب الرابع " الملقب بأخناتون، وقد عرفت الأميرة تادوخيا في التاريخ باسم نفر تيتي واشتهرت بقوة شخصيتها وتأثيرها الكبير على أمنحوتب الرابع وثورته الدينية.
وقد أشاد معظم المؤرخين، هيرودوت، سترابون، بلوطرخس، بتقدم الميدييين في مجال الصناعة والهندسة، إذ يذكر سترابون أن الملك الأرمني ديكران كان يعتمد على الميديين ويستفيد منهم خاصة في الشؤون الفنية والعمرانية، وتشير معظم المصادر التاريخية إلى رقي وتطور الدولة الميدية وحالة البذخ والترف الذي ساد بين سكانها وطمع الشعوب المجاورة بثرواتها.
وبعد انهيار الدولة عام ٥٣٩ ق.م. على يد كورش حافظت على اسمها مرتبطا بالامبراطو رية الفارسية التي سميت الامبراطورية الإخمينية الميدية، وأطلق المؤرخون على الحروب التي قامت بين الفرس واليونان اسم الحروب الميدية، وكان تأثير الميديين على الفرس جليا في مجالات عدة إذ اقتبس الفرس منهم أبجديتهم المكونة من ٣٦ حرفا واستخدموها في الكتابة، وطريقتهم في إدارة الدولة وأسماء الشهور والأيام التي كانت زردشتية، وتم الاحتفال بأعيادهم كعيد النوروز، وعيد المهرجان في ٢٥ كانون الأول.
أما تأثير الديانة الزردشتية –التي نستطيع اعتبارها ديانة كردية لأنها ظهرت بين الكرد وكان نبيها كرديا بالإضافة إلى أن معظم رجال الدين كانوا أكرادا من قبيلة ماكين الميدية – فكان واضحا وجليا سواء على الفرس الذين اتخذوها كديانة رسمية لامبراطورياتهم الثلاث الإخمينية الميدية ٥٣٩ – ٣٣١ ق.م. ومن ثم الدولة البارثية الأشكانية ٢٤٨ – ٢٢٤ ق.م. والامبراطورية الساسانية ٢٢٤ – ٤٥١ م.
وقد تجلى هذا التأثير في جوانب عديدة من خلال الدعوة إلى العمل الصالح وفعل الخير واعتبار الزراعة وإحياء الأراضي البور عبادة والدعوة إلى النظافة والأمانة والصدق وهي مطالب حضارية في الماضي والآن أيضا.
وقد انتقل تأثير الزردشتية إلى الشعوب المجاورة للكرد وحتى للأديان المجاورة لدولة الفرس " اليهودية – المسيحية – المانوية – المزدكية – والإسلام ".
فتذكر المصادر اليونانية والفارسية أن الفيلسوف اليوناني توتيانوس آمن بالزردشتية وعاصر زردشت وعاش معه لفترة ثم استأذنه في العودة إلى بلاده لنشر دين مزذيسنا بين الإغريق، كما اعتنق فيثاغورث الزردشتية وقال أفلاطون عن زردشت أنه من أعظم الحكماء القدماء وكان له تأثير كبير على شعبه وعلى تاريخ المنطقة، وتذكر المصادر الزردشتية أن الإسكندر المقدوني عندما أحرق مدينة برسيبوليس " اصطخر حاليا " عاصمة الفرس عام ٣٣١٠ ق.م. بعد أن نهب ثرواتها احترقت من جراء ذلك المكتبة الملكية التي احتوت على نسخة من كتاب أفستا وشروحاتها، ونقلت النسخة الثانية من الأفستا إلى أثينا للاستفادة منها وتقول الكتب الزردشتية أنها كانت الأساس لتطور العلوم اليونانية.
وعندما سبى الملك الكلداني نبوخذ نصر عام ٥٨٦ ق.م. اليهود وأسكنهم في بلاد بابل وكردستان تأثر اليهود بالزردشتية وخاصة مبدأ العقاب والثواب والحياة الأخرى وفكرة الجحيم والفردوس –أي الحساب بعد الموت ولم تكن هذه الأفكار معروفة لدى اليهود – ، كذلك اقتبسوا فكرة المخلّص والمنقذ التي عرفت في اليهودية بالمسيح المنتظر وانتقلت فيما بعد إلى المسيحية، واقتبس اليهود والمسيحيون طريقة الاحتفال بعيد المهرجان (المخصص للإله ميثرا الزردشتي)، وتحول لديهم هذا الاحتفال في ٢٥ كانون الأول إلى الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح.
وتحولت فكرة المنقذ المنتظر في الإسلام إلى فكرة المهدي ومجيئه وتطهير الأرض من الأشرار، كما أن وصف الصراط في التفاسير الإسلامية هي نفس وصف جسر الصراط جنيفات " جسر الامتحان في الديانة الزردشتية.
المساهمة في الحضارة العربية – الإسلامية: كما كان للكرد مساهمة في تطوير بعض جوانب الحضارة القديمة، ولعبوا دورا في نقل بعض المظاهر الحضارية بين بلاد الشام والرافدين وإيران والهند وآسيا الصغرى بحكم توسطهم لتلك المناطق، كذلك كان لهم دور مشابه في الحضارة العربية – الإسلامية.
ومع اعتناق الكرد للإسلام، سواء أكان ذلك تم سلما أم بحد السيف، تحولوا مع غيرهم من الشعوب إلى حملة رايته، في سبيل توسيع رقعة الدولة أو المملكة الإسلامية خلال العهدين الراشدي والأموي، ولما كانت الدولة الأموية، دولة عربية لحما ودما، فقد تعصب الأمويون للعرب والعربية، وأخذوا ينظرون إلى الموالي –المسلمون من غير العرب – نظرة الازدراء، وقد أثارت هذه المعاملة حنق الموالي وسخطهم على الأمويين، وأخذوا يتلمسون الفرص للإيقاع بهم ومن بين الموالي طبعا الشعب الكردي.
وقد لعب الكرد بقيادة عبد الرحمن بن مسلم المشهور بأبي مسلم الخراساني دورا متميزا في القضاء على الدولة الأموية وتأسيس الدولة العباسية عام ٧٥٠ م. – ١٣٢ هـ. وقد أدى اغتياله على يد الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين شعوب الخلافة إلى نقمة الكرد على الدولة العباسية، والانضمام إلى معظم الثورات التي قامت ضد الدولة العباسية، خاصة ثورة بابك الخرمي وثورة الزنج وثورة القرامطة.
وإثر ضعف الدولة العباسية واستقلال بعض الولايات عن السلطة المركزية في بغداد، كان الكرد سباقون إلى تأسيس إمارات وحكومات وأحيانا دول خاصة بهم في مناطقهم التاريخية وأحيانا خارجها، فقد تأسست أول حكومة كردية عام ٢٣٠ هـ على يد محمد الروادي عرفت بالدولة الروادية، وتتالت إثر ذلك تأسيس الإمارات حتى تجاوزت ٥٠ إمارة وحكومة كردية الطابع.
وإذا ما تناولنا المجال أو المظهر السياسي للحضارة العربية الإسلامية نجد أن للكرد دورا في رسم بعض جوانبها، فالملك الناصر صلاح الدين الأيوبي الذي أسس دولة مترامية الأطراف، اشتهر بنبله وشهامته وأخلاقه الرفيعة مع رعاياه وخصومه حتى تحول إلى مضرب للمثل في حسن الإدارة إلى جانب حنكته العسكرية وحبه للعلم والعلماء، وساهم مع أمراء البيت الأيوبي في رفع لواء النهضة الفكرية والفنية (العمران خاصة) في مصر وبلاد الشام وكردستان " الجزيرة " والحجاز واليمن ببناء المدارس والمساجد والخانقاوات والمشافي والسدود والجسور والقلاع والحصون والأسوار والمرافق العامة، وهو أول من أدخل نموذج المدارس إلى القدس ومصر والحجاز.
وكانت شخصية شقيقه الملك العادل سيف الدين قريبة من شخصيته، ويعود الفضل في النهضة المصرية والعربية الحديثة إلى حاكم آخر من أصل كردي هو محمد علي باشا الذي حكم مع أفراد أسرته مصر والسودان زهاء قرن ونصف، فقد كانت إصلاحاته في مجال التعليم والاقتصاد والإدارة والعمران أساس النهضة المصرية والعربية الحديثة، ويشبهه المؤرخون بالإمبراطورة اليابانية موتسو هيتو التي وضعت أساس النهضة اليابانية الحديثة، فقد أدخل المعامل والمصانع الآلية إلى مصر وأرسل البعثات إلى أوروبا للتخصص وشق القنوات والترع وبنى السدود وأدخل زراعات جديدة إلى مصر وأصدر أول صحيفة في البلاد العربية هي صحيفة الوقائع.
وفي هذا المجال يمكن الإشارة أيضا إلى أسماء كردية أخرى مثل كريم خان الزندي في إيران، وشرف خان البدليسي، وشكري باشا الأيوبي، وابراهيم هنانو في سوريا، وكان الكردي محمد علي العابد أول رئيس جمهورية للدولة السورية، وقد انتخب دستوريا عام ١٩٣٢. وفي الجانب الفكري " المظهر الفكري " كان تأثير العلماء والأدباء الكرد واضحا على الثقافة العربية الإسلامية، ويمكن الإشادة هنا بالعالم الجزري " ٦٠٢ هـ – ١٢٠٦ م " صاحب كتاب " الجامع بين العلم والعمل " الذي وضع أساس علم الميكانيك (الحيل) والهيدروليك باختراع مجموعة من الآلات والمضخات والساعات التي تعمل آليا، وقد وصف مؤرخ العلم سارتون كتابه الجامع بأنه " أكثر الأعمال تفصيلا من نوعه، ويمكن اعتباره الذروة في هذا المجال بين الإنجازات الإسلامية " ، وقد عاش في منطقة آمد وطبق أفكاره فيها، وقد ترجم كتابه إلى الإنكليزية والألمانية.
وفي مجال اللغة والنحو اشتهر أبو القاسم الحسن بن بشر بن يحيى الآمدي " ٣٧٠ هـ – ٩٨٠ م " كعالم بالشعر وناقد موضوعي ويعتبر كتابه " الموازنة بين الطائيين " بحث ودراسة منهجية ناضجة في مجال النقد، وقد أشاد به معظم المؤرخين، ونقل أبو علي القالي " ٣٥٦ هـ– ٩٦٦ م " أمهات الكتب والتصانيف من المشرق إلى الأندلس، وجمع حوله أشهر علماء الأندلس في عصره ونال الاحترام والحظوة في قرطبة، وأشهر أعماله " الأمالي " ومعجم " البارع ". وقد ابتكر بديع الزمان الهمذاني " ٣٩٨ هـ – ١٠٠٥م " فن المقامات – أعتقد أنه من أصل كردي – لأنه ولد في مدينة كردية هي همذان عاصمة الامبراطورية الميدية.
ومن بين المؤرخين الذين اشتهروا بدقتهم العلمية والموضوعية يبرز اسم ابن الأثير " ٦٣٠ هـ – ١٢٣٤م " صاحب كتاب " الكامل في التاريخ " الذي يعد من أهم المصادر التاريخية الإسلامية. أما أبو الفداء صاحب حماه اسماعيل بن عبد الملك الأفضل الأيوبي " ٧٣٢ هـ – ١٣٣١م " فقد كان حاكما ناجحا وعالما موسوعي الثقافة، وقد كتب وصنف في معظم الفنون نثرا وشعرا " الطب، الفلك، الفقه، الأدب، التاريخ، الجغرافيا " ، وأهم أعماله كتاب " المختصر في تاريخ البشر " وفي الجغرافيا يعتبر كتابه " تقويم البلدان " ثالث كتاب عربي اشتهر في الغرب بعد القرآن الكريم، وكتاب ألف ليلة وليلة وقد ترجم إلى الفرنسية والانكليزية.
ويعد ابن خلكان " ٦٨١ هـ – ١٢٨١ م " أبرز الذين صنفوا في حقل التراجم، ويعتبر كتابه " وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان " أهم المصادر في التراجم والتاريخ الأدبي.
ومن بين رواد النهضة الفكرية أو اليقظة القومية العربية الحديثة يبرز اسم الشيخ محمد عبده " ١٨٤٨ – ١٩٠٥ م " عاليا، فقد كان من بين قلة قليلة من المطالبين بإصلاح المجتمع ومنح الحريات وصيانة حقوق الرعية والمجددين للفكر الديني.
وكان لأفكار وتعاليم عبد الرحمن الكواكبي " ١٨٤٩ م " دورا عظيما في محاربة الظلم والاستبداد العثماني في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، إلى جانب أمير الشعراء أحمد شوقي وعباس محمود العقاد ومحمود تيمور وقاسم أمين أول مدافع صلب دافع عن حقوق المرأة في كتابي (تحرير المرأة) و(المرأة الجديدة).
وفي المجال الفني يمكن الإشادة بالموسيقي الكردي زرياب الذي نافس أستاذه اسحق بن ابراهيم الموصلي وتفوق عليه في بلاط الخليفة هارون الرشيد، ثم اضطر إلى مغادرة بغداد عام ٢٠٦ هـ إلى بلاط عبد الرحمن الأوسط في قرطبة، وأصبح لفن الغناء بفضله مكانة ملحوظة في الأندلس.
وفي هذا المجال أيضا يذكر المخرج المصري يوسف شاهين في مذكراته أن آل بدرخان هم أول من أدخل فن السينما إلى مصر، وإذا ما علمنا دور أهمية السينما المصرية في العالم العربي سندرك تأثير الكرد على ذلك بإدخال فن صناعة السينما إلى مصر.
وفي المجال الفني أيضا يمكن الإشارة إلى بناء أول دار للأوبرا في مصر على يد الخديوي اسماعيل وكذلك إلى الأعمال العمرانية الضخمة التي بنيت في عهد الدولة الأيوبية وأسرة محمد علي والدويلات الكردية التي قامت في المنطقة.