الحب
الحب هو أن تكون حبيبتك في خاطرك و أنت تصرف الساعات الطوال مفكراً بها مخاطباً إياها مستجوباً خفاياها مستقصياً أسرارها وتشعر مرات عديدة بوجود ذاتها الأثيرية في مسكنك ترقب حركاتك وتكلمك وتحاورك وتبدي رأيها في مآتيك وأعمالك
و الحب هو سر وحبذا لو كان بامكانك معرفة ذلك السر الخفي الكائن وراء هذا اضطرابك وهذه حاجتك الماسة .
فالحب يا صاحبي هو أن تكون بين عقلك و عقل حبيبتك مساجلةً وبين الأفكار تبادلاً قد لا يتناوله الإدراك الحسي ولكن من ذا الذي يستطيع نفيه بتاتاً عن المحبين كحالكما فأنا أحببت و جربتها
إن في هذه المساجلة حقيقة أولية كنت فيما مضى وقبل الحب أعرفها بالقياس العقلي وكنت اسميها تخاطراً ،
أما الآن وبعد الحب فإني أعرفها بالاختيار النفسي .
ففي الحب قد تحقق لي وجود رابطة معنوية دقيقة قوية غريبة تختلف بطبيعتها ومزاياها وتأثيرها عن كل رابطة أخرى ، فهي أشد وأصلب وأبقى بما لا يقاس من الروابط الدموية والجينية حتى والأخلاقية .
وليس بين خيوط هذه الرابطة خيط واحد من غزل الأيام والليالي التي تمر بين المهد واللحد .
وليس بين خيوطها خيط غزلته مقاصد الماضي أو رغائب الحاضر أو أماني المستقبل
وفي هذه الرابطة وفي هذه العاطفة النفسية ، وفي هذا التفاهم الخفي ، أحلام أغرب وأعجب من كل ما يتمايل في القلب البشري
وفي هذا التفاهم الذي هو الحب أغنية عميقة هادئة نسمعها في سكينة الليل فتنتقل بنا إلى ما وراء الليل ، إلى ما وراء النهار ، إلى ما وراء الزمن ، إلى ما وراء الأبدية .
وفي هذه العاطفة غصّات أليمة لا تزول ولكنها عزيزة لدينا ولو استطعنا لما أبدلناها بكل ما نعرفه ونتخيله من الملذات والأمجاد .
لقد حاولت في ما تقدم ابلاغك ما لا ولن يبلغك إياه إلا ما يشابهه في نفسك . فإن كنت قد أبنت سراً معروفاً لديك كنت من أولئك الذين قد حبتهم الحياة وأوقفتهم أمام العرش الأبيض
إذاً فهذا هو الحب أتمنى أن أكون قد أبنته لك